كرات اللهب صوب ماكرون ومبابي وباريس: بين سطور حوار بيريز مع "الشيرنجيتو"

عادة ما تكون برامج مثل "الشيرينجيتو" في إسبانيا مسرحًا للصخب والصوت العالي الذي يكون جزءًا من حبكة ساخنة لجلب المشاهدات.

يتم اللجوء لوسائل أخرى كالكوميديا والتصريحات الجنسية الواضحة وأحيانًا المشاهد الخليعة في مثل هذا النوع من البرامج.

الجزء الأكثر سخونة يكون باستدعاء بعض المشاهير للإدلاء بآرائهم، وبينما يكون هناك مشاهير في عالم الصحافة والإعلام مثل توماس رونثيرو وجوسيب بيدريرول على سبيل المثال، وهناك مشاهير آخرون صنعهم البرنامج نفسه، فإن استضافة الشيرنجيتو لبعض الأسماء تكون ذات وقع رنان، ذلك لأن طبيعة البرنامج الساخنة تجعل التصريحات القادمة من الشخص الشهير تسير في نفس الاتجاه وهو ما يعد بأعلى درجات الإثارة.

ولذلك فإن اختيار فلورنتينو بيريز برنامج "الشيرينجيتو" لتوجيه أولى رسائله المستفيضة حول ملف كيليان مبابي وتجديد تعاقده مع باريس سان جيرمان، يعني أنه اختار هذه النافذة ليقول كلامًا قد لا يتسع المقام الرصين للصحف والمواقع الشهيرة لاحتماله، وهذا ما حدث بالفعل.

رمى بيريز بأوراق عديدة عبر تصريحات نارية، تستطيع أن تلمح مما وراء سطورها الرسائل الضمنية التي تم توجيهها في حوار أعلن البرنامج بعد ساعات من عرضه أنه "رقم 1 في المتابعة الرياضية بالعالم".

أنت نكرة ولست صاحب قرار!

كان أكثر ما كرره بيريز طيلة حديثه مع "الشيرينجيتو" أمس، فكرة أن مبابي أجبر على اتخاذ هذا القرار بالتجديد لباريس سان جيرمان على عكس رغبته في اللعب لريال مدريد، ورغم أن هذا يمكن أن يرتقي لدرجة الحقيقة التي نشاطر بيريز رأيه فيها، إلا أن الإلحاح بأكثر من صيغة يشير إلى حقيقتين ضمنيتين أراد بيريز إيصالهما، واحدة بقصد والثانية من غير قصد.

الأولى التي قصدها بيريز حقًا هي الإمعان في توجيه الإهانة لمبابي، تارة بقول: "لقد جعلوه يبكي".. وتارة بـ: "يصعب أن تقاوم هذه الضغوط بعمر 23 عامًا فقط" و"إنك مبابي مختلف عما رأيته" و"حينما يقوم الرئيس بمكالمتك يصعب تخطي هذا الأمر".. رسائل توجه لمبابي بمعنى أنك نكرة ولست صاحب قرار، الأمر كان أكبر منك.

الرسالة الأخرى التي وصلت إلى كل من طالع هذا اللقاء والتي وصلت عن بيريز دونما قصد منه، هي مدى الإهانة التي شعر بها في هذا الملف، ورغم أن ريال مدريد تلقى تعويضًا كبيرًا بالحصول على لقب دوري أبطال أوروبا بعد إعلان تجديد مبابي مع باريس سان جيرمان بأيام، إلا أن بيريز كان متحفزًا ليخبر المدريديستا "ألا يحزنوا لأن الشخص الذي جدد عقده مع باريس سان جيرمان مختلف تمامًا عن الشخص الذي عرفته سابقًا!".

معركة "ريال – باريس"

دخلت إلى ذهن بيريز بنجاح فكرة أن منافسه الأول الآن في أوروبا هو باريس سان جيرمان، كلنا نعلم مدى الفجوة الشاسعة على صعيد التاريخ بين الناديين، ولكن بيريز لا يقبل بحكم طبيعة شخصيته هذه الضربات التي يتلقاها الإسبان بشكل عام، وآخرها ضربة مبابي من نفس النادي، ونفس الشخص.. ناصر الخليفي.

الحرب امتدت الموسم الماضي لمشروع دوري السوبر الأوروبي، انتصر الخليفي على إسبانيا كلها وآتى الاعتراض أكله، ورغم أن ريال مدريد فاز بأول نسخة دوري أبطال أوروبا بعد طرح مشروع دوري السوبر الأوروبي، إلا أن كل مسابقة دوري أبطال أوروبا ناجحة تلقي بمشروع دوري السوبر الأوروبي إلى سلة النفايات أعمق وأعمق، يعد انتصارًا بشكل حتمي للخليفي.

تستطيع أن تلمس ذلك في استدعائه تصريحًا غريبًا أثناء لقائه مع "الشيرنجيتو" حين قال: "لا أعتقد أن أم مبابي ضغطت عليه للبقاء في باريس، كل الأمهات يريدون الأفضل لأبنائهن بالطبع!".

طريقة قد يصفها البعض بالصبيانية في المقارنة بين ريال مدريد وباريس واستدعاء الأفضلية التاريخية على الصعيد الكروي للملكي على فريق العاصمة الباريسية، لكنها توحي لك بمعركة "ريال – باريس" المستحوذة على جزء كبير من ذهن بيريز، بالذات بعد صفعة مبابي تلك.

حرب الليجا وثنائي الخليج

بيريز هو أحد رجال إسبانيا الأقوى في كرة القدم، نفوذه المعروف بين الأروقة لا يمكن إخفاؤه، ولذلك فإن تصعيد الحرب معه لهذه الدرجة في ملف التوقيع مع مبابي، استلزم بالتأكيد أن تصعد رابطة الدوري الإسباني المشكلة هي الأخرى.

الأمر بات منظورًا في ساحات القضاء الآن، بعدما طور خافيير تيباس شكواه إلى دعوى قضائية رسمية يتهم فيها الثنائي باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي بالإخلال بقواعد اللعب المالي النظيف، الأول في إبقاء مبابي، والثاني في التعاقد مع هالاند.

على أطلال ميسي ورونالدو، تدرك الليجا أن المستقبل ليس كالماضي حتى لو امتلكت ريال مدريد وبرشلونة دائمًا، الليجا ينسحب البساط منها تدريجيًا لصالح الدوريات الأخرى بعد أكثر من عقد من المبيعات الخرافية حين تكامل كل شيء ليجعل الدوري الإسباني الأقوى في العالم.

بيريز يرفض هذا الأمر، بل إنه مدعوم من جوان لابورتا في هذا التصور، ولولا مشروع دوري السوبر الأوروبي الذي حمل بعض الخلاف مع تيباس، لكان التحرك الإسباني أقوى وأعنف، لكن في الوقت الراهن، يمكنك أن ترى كيف تبدو الليجا مستاءة من ضخ المال لدى ناديين بحجم مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان.

بيريز عبر عن هذا حين انتقد علنًا في الشيرينجيتو "الضغط القطري لإقناع مبابي بالبقاء في باريس" من خلال "تهديد إيمانويل ماكرون الذي هاتف الفتى!".

لا يمكن تصور قبول ريال مدريد بالرقم الضخم لجلب صفقة من الدوري الفرنسي هي أوريلاين تشواميني إلا في ضوء هذا الأمر، 100 مليون يورو كان رقمًا مبالغًا به حقًا مهما اتفقنا على قيمة اللاعب الفنية، ولكن التسطيح قد يكون أكثر ميلًا للواقع في بعض الأحيان: لقد أراد بيريز أن يعود من فرنسا بأي صفقة!.. لقد أراد أن يثبت أن الدوري الإسباني لا يزال جذابًا لصغار فرنسا أكثر من دورياتهم نفسها، تمامًا مثل رجل عجوز يريد أن يثبت للعالم أنه يستطيع أن يفعل كل ما يستطيعه الشباب!.

بيريز لا يستطيع تخطي تلويحات الخليفي أكثر من مرة، بأن "مبابي تنازل عن مال أكثر كان سيتقاضاه في ريال مدريد مقابل التجديد معنا" ورغم أن هذا على طول الخط لا يجب أن يعتبر حقيقيًا مع فرضية وجود بنود عديدة يتربح منها مبابي ببقائه في باريس، إلا أن تصدير الرسالة للعالم كان مما أوجع بيريز أيضًا وظل يضغط نفسه للرد عليه.

هذا ما حدث في لقاء الشيرينجيتو حين قال: "لقد رأيت كيف تمت السيطرة عليه حين رفض الظهور في الصور الدعائية لمنتخب فرنسا!" مشيرًا إلى بند حقوق الصور الذي كان السبب وراء رفض مبابي عرض ريال مدريد وتفضيل التجديد في باريس سان جيرمان، الذي منحه 100% من حقوق صوره، بينما آثر ريال مدريد ألا يمنحه سوى 50%، وحين قال أيضًا: "لقد جعلوه صاحب النادي بوضوح" إشارة إلى بند مساهمته في الإدارة الرياضية الذي تحدثت عنه عديد التقارير.

صفعة مبابي لم تكن على الوجه المدريدي فحسب، بل على وجه إسبانيا كلها، هذا ما يدركه جيدًا أهم رئيس نادٍ إسباني في العصر الحديث، وعليه كان اللقاء مع الشيرينجيتو معبرًا عن وجع هذه الصفعة، واستعداد الرجل القوي للرد على كافة المحافل، داخل الملعب وخارجه.

اقرأ أيضًا..

بيريز: مبابي اتخذ الطريق السهل .. ولهذا لم أوقع معه على عقد مسبق!

احذر يا زيدان قبل تدريب باريس.. إذا خنت ريال مدريد فلا تخن مسقط رأسك!

هالاند في مانشستر سيتي .. لا تصدق كل هذه الضجة!