يد تحمل الذهب وأخرى تمسح الدموع .. بنزيما وهيجواين سنوات المجد والضياع!

علق جونزالو هيجواين حذاءه، نعم، هلت الراحة وعم السلام في نفوس مشجعي المنتخب الأرجنتيني، وشعروا أخيرًا أن ليالي ليونيل ميسي الدولية لن تفسد من إهدار زميله للفرص السهلة.

هكذا يرى البعض غياب هيجواين عن كرة القدم، فكرة ظالمة ولكنها مبررة، وفي كل الأحوال، قد يظن البعض أن جونزالو قد ظلم بلاده، لكنهم لا يدركون أنه قد ظلم نفسه أكثر من أي شيء آخر.

في ليلة الاعتزال وتوديع اللعبة، حصل زميله السابق كريم بنزيما على جائزة الكرة الذهبية، وشهد له العالم بأسره بأحقيته المطلقة في نيل الثناء والتقدير على موسمه الأسطوري مع ريال مدريد.

الأمر الذي يجعلنا نحاول معرفة السبب وراء صعود "الحكومة" إلى منصات التتويج، وفي نفس الوقت يعتزل هيجواين كرة القدم في أمريكا في صمت، دون اهتمام واسع من محبي اللعبة.

أوجه التشابه

من المعلومات المعروفة في أوساط متابعي كرة القدم، أن كريم بنزيما كان في ريال مدريد في نفس الوقت مع هيجواين، وأن بداية الثنائي كانت مع الملكي في فترة الإحلال والتجديد.

ولكن قد لا يعرف البعض أن الثنائي في نفس العمر تقريبًا، حيث أن الأرجنتيني أكبر من الفرنسي بـ 9 أيام فقط، والاثنين في عمر الـ 34 عامًا.

وبالطبع كان من المنتظر أن يتألق كريم وجونزالو لأنهم العناصر الشابة في النادي، والتي يعول عليها الملكي لتأمين مستقبل الهجوم، بجوار كريستيانو رونالدو ودي ماريا.Goal\GettyImage

لكن المشكلة كانت في تواجد الثنائي في نفس المركز وهو المهاجم الصريح، الأمر الذي جعل هيجواين يشارك أساسيًا لفترة، ومن ثم يتواجد كريم لفترة أخرى بعد قدوم جوزيه مورينيو.

وفترة ثالثة عاشها بنزيما وجونزالو بجوار رونالدو، والشاهد من كل ذلك أن الأمر لم يكن ثابتًا، وكل لاعب كان يحظى بفرصة مختلفة في ظروف مختلفة بالطبع.

ولكن صيت النجم الفرنسي قد ارتفع بشدة في 2012، وبالتالي قرر الأرجنتيني الخروج إلى تجربة أخرى يستطيع فيها أن يثبت للجميع أنه يمتلك الجودة المطلوبة للتواجد في القمة.

التمرد على كل شيء

تتسم مسيرة هيجواين بالتمرد، حيث خرج من ريال مدريد صوب إيطاليا تجاه نابولي، وأبدع وأمتع وأقنع الكل بقدراته الخارقة في التسجيل والصناعة خاصةً مع المدرب ماوريسيو ساري.

بيئة نابولي المتمردة القوية والمثيرة ساعدت هيجواين على التأقلم، الأرجنتيني الذي يحمل الطباع اللاتينية كان يشعر أنه في بيته، وبالتالي رأينا نسخة مهاجم مختلفة، قوي وسفاح أمام المرمى ولديه شخصية قيادية وخبرات اكتسبها مع ريال مدريد.

في نفس الوقت كان كريم بنزيما يعاني مع ريال مدريد على صعيد المستوى الفردي، حيث مر الفرنسي بفترات طويلة كان يحاول فيها تقمص دور المساند للبطل الأبرز كريستيانو رونالدو.Getty Images

ووقتها كانت النغمة المنتشرة هي أن هيجواين قد ظلم، وأن بنزيما لا يستحق فرصة التواجد لدى الملكي، وليت الزمان يعود يومًا لنغير مجرى الأمور.

ومن بعد فترة نابولي، استمر هيجواين في إيطاليا مع يوفنتوس ونجح بكل تأكيد في تجربة البيانكونيري، وانتقل في رحلات قصيرة إلى ميلان وتشيلسي، وكتبت النهاية في إنتر ميامي بالولايات المتحدة.

وصادفت الفترة الأخيرة من مسيرة الأرجنتيني، اختلاف النجم الفرنسي في عيون مشجعي ريال مدريد، حيث خرج رونالدو من الملكي، وبات كريم هو الرجل الأول، وربما كان ينتظر ذلك ليثبت للجميع أنه يستحق تلك المكانة.Getty Images

فهو لم يثبت ذلك لعشاق الملكي وحسب، بل أثبت لكرة القدم كلها أنه من يستحق الذهب، وحصل على تأييد كافة متابعي اللعبة، حتى من يناصر برشلونة.

والشاهد من ذلك أن بنزيما تمتع بشخصية مختلفة عن هيجواين، الأرجنتيني تمرد لأنه يريد أن يصبح المهاجم، أن يسجل الأهداف ويكون المسدد الأول لركلات الجزاء، وتتحقق كل أمور التهديف من خلاله.

أما بنزيما فلم يمانع أن يعيش في ظل رونالدو، ووافق على كونه الرجل السيئ في القصة بشكل دائم، إلى أن جاءت فرصته فاستغلها وأثبت للجميع أنه كان مظلومًا بسبب أسلوب اللعب ليس أكثر.

كيف كتبت النهاية؟

صدقني نحن لا نقسو على هيجواين، ولا نقارن المسيرة بالمسيرة لنقول إن بنزيما أفضل منه في كل شيء، نحن نعلم أن تمرد الأرجنتيني جاء بفائدة ضخمة على مسيرته، نعلم أن فترة نابولي واليوفي أخرجت لنا واحدة من أشمل النسخ للمهاجمين في العالم.

لكن هذا لا ينفي أن عقلية بنزيما الهادئة واختياراته المتزنة جعلته على منصة البالون دور في نفس الوقت الذي اعتزل فيه هيجواين كرة القدم ولم يأخذ ما يستحق من تغطية إعلامية أو دعم جماهيري.

نعم تحدث الكثير عن جونزالو، ولكن عطفًا على مسيرته فكل هذا الحديث قليل على ما فعله الرجل من وجهة نظري.

فلا يمكن أن تكون نهايته المستحقة هي لقطة لدموعه في ملعب بأمريكا، الأرجنتيني ظلم نفسه قبل الكل، لأنه استحق وداع أفضل من ذلك بكثير.

نحن أمام نموذجين، إذا أردت أن أقول لشخص ما اتبع واحدًا منهم فسيكون بلا شك هو بنزيما، لأن هذا الرجل هو المرجعية الأولى في اتخاذ القرارات الأفضل.(C)Getty Images

عاش كريم بين الظلال وتحمل أعباء فشل الفريق وعانى من كل شيء مكروه في لعبة كرة القدم، لكنه خرج إلى النور، وقال كلمته للكل، وأحرج حتى جمهور فريقه الذي طالبه بالرحيل.

أحيانًا ما تكون قصص التمرد مثيرة وجميلة، ولكن كريم قد استطاع أن يكسر الثوابت في هذه القصة بالجانب الآخر، عاش بنزيما مسيرة متناقضة، استطاع فيها أن يكسب الكل بعد أن خسر كل شيء.