مخابرات وتجارة سلاح ..شريف تيراسبول معجزة دوري الأبطال الذي لا ينتمي لبلد

عندما يحل شريف تيراسبول ضيفاً على ريال مدريد في "سانتياجو برنابيو" الثلاثاء المقبل لحساب الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا ستكون المفاجأة أن صغير مولدوفا هو من يتصدر المجموعة على حساب عملاق القارة العجوز، حقيقة لا يستوعبها حتى الآن أكبر المتفائلين من جماهيره التي تعيش الحلم هذه الأيام.

يخوض الفريق الذي يمثل مولدوفا، رسمياً على الأقل، دوري الأبطال للمرة الأولى في تاريخه والأولى أيضاً لأي فريق من البلد الصغير بشرق أوروبا، مغامرة كروية كبيرة ولكن تخفي ورائها رواية أكبر لفريق تأسس على يد المخابرات الروسية، ويعلن الانتماء لدولة لا وجود لها في المنظمات الدولية!

تاريخ حديث العهد

تأسس شريف فقط في 1997 على يد إليا كازمالي وفيكتور كوشان، ظابطان سابقان في المخابرات الروسية الشهيرة "KGB"، وأعطيا الفريق نفس الأسم للشركة الأم التي يتبع لها النادي، وشعاراً بالنظر له للوهلة الأولى تدرك طبيعة النشاط السابق لمؤسييه.

اختار كوشان وكازمالي مدينة تيراسبول بإقليم ترانسنيستريا الذي يحظى بحكم ذاتي عن مولدوفا التي يقع ضمن حدودها، وذلك بعد استفتاء في 2006 اختار فيه ما يقارب من 400 ألف من سكان المنطقة الانفصال عن البلد الأم والعمل على الانضمام لروسيا مستقبلاً، القرار الذي يحظى بتأييد الأولى والأخيرة ولكن بعدم اعتراف من المجتمع الدولي ومؤسساته الكبرى وعلى رأسها الأمم المتحدة.

في 24 عاماً منذ تأسيس الفريق، حقق لقب الدوري المولدوفي في 19 منها، والكأس في 10، وحمل لواء الكرة المولدوفية في المسابقات الأوروبية، فشارك بالدوري الأوروبي في سبع مناسبات، وخاض 78 مباراة بدوري الأبطال بالأدوار الإقصائية، آخرها ست لقاءات بالنسخة الحالية قبل أن يكتب التاريخ بإقصاء دينامو زغرب ويضمن بطاقته بدور المجموعات بجوار ريال مدريد، إنتر، وشاختار.

حاضر مشرق ومثير للجدل

هيمنة الوافد الجديد على الكرة المولدوفية لم تكن محط ترحيب من مسؤوليها لكونه ينتمي لإقليم لا يمثل البلاد أولاً، وثانياً بسبب علاقات مؤسسيه مع روسيا والنشاطات المريبة لهم على حد تعبيرهم.

يقول أوكتافيان تيكو، وزير الرياضة السابق لمولدوفا، مع "جارديان": المؤسسون يستخدمون الكرة كسلاح للمؤسسة الأم، أصبحوا أقوى وأقوى وهذا ليس بصحي للمنافسة، كل الفرق في مولدوفا تدفع ضرائب، هم لا، هم يحملون علم مولدوفا فقط بالأسم، ولكن بلا أي انتماء".

وتكشف "جارديان" في تقرير مراسلها نيك آمز لتيراسبول الوجه الحقيقي لشريف، سوء الفريق الكروي أو المؤسسة الأم، الأخيرة مؤخراً تم سحب رخصة شركتين تابعتين لها تعملان باستيراد السجائر بسبب تورطهما في تجارة السلاح، ما علق عليه تيكو بأن إقليم ترانسنيستريا تحول لملجأ للمهربين بالسنوات الأخيرة.

ويروي آمز كيف يهيمن شريف "الكروي" على الحياة في الإقليم، فشعاره حاضر في كل شارع وبيت ومحل، وحتى في الحزب الحاكم سياسياً الذي يملك معه علاقات قوية، في تطبيق حرفي لشعار النادي "دائماً معك".

ونجح شريف في بسط هيمنته كروياً عبر مؤسسات رياضية مميزة، وشبكة كشافين في إفريقيا وأمريكا الجنوبية للتعاقد مع اللاعبين الذين يكونون نواة الفريق الحالي، الأمر الذي تحدث عنه روبرتو بوردين، المدرب الإيطالي السابق للفريق ما بين 2016 و2018، مع "جول".

انبهر بوردين بمدى جدية مالكي شريف والتجهيزات التي تضاهي ما تملكه كبار أندية أوروبا، مؤكداً أن الجانب المالي كان مهماً في تحقيق ذلك ولكن الكروي كذلك، مشيراً إلى ثقافة فيكتور جوشان الكروية الكبيرة، إذ يتذكر واقعة عندما كانا يشاهدان مباراة لأتلتيكو مدريد معاً وكان جوشان يعرف كل لاعبي الروخي بلانكوس وخصمه!

ولكن إذا كان بوردين يرسم صورة وردية لجوشان كروياً، فيون جوردان، لاعب الفريق السابق يتذكر العكس مع "جارديان": "لم يكن يأتي أبداً لغرف خلع الملابس، وإذا حدث ذلك فمعناه أن شيئاً سيئاً للغاية حدث، الجميع كان يرتعد من الخوف، هو شخص عسكري سابق وتدرك مدى قوته فقط بالنظر له، لحسن الحظ لم يكن يزورنا كثيراً".

مستقبل باريسي قادم

عثمان نداي، لاعب الفريق السابق، في حديثه مع "جول" قال إن احترافية الفريق المولدوفي، وخططه للمستقبل وبنيته التحتية تجعله أقرب لباريس سان جيرمان البلاد حتى، وأنه بعد سيطرته على الكرة المولدوفية الخطوة المقبلة هي الساحة الأوروبية وضمان التواجد باستمرار.

قد تكون مشاركة شريف تيراسبول في دوري الأبطال أقصى الإنجاز الأقصى لفريق من دولة صغيرة مثل مولدوفا، ولكن خطط وطموحات مالكيه تتعدى بكثير ذلك، واختيار إقليم مستقل لتأسيس فريق للكرة هناك مجرد قطعة من الصورة الأكبر التي يرسمها جوشان ورفاقه، والمشاركة بدوري الأبطال هذا الموسم أفضل دعاية لهذا المشروع والتجربة "الروسية" الاستثنائية.