يعمل نادي ريال مدريد حاليًا على مشروع بالتعاون مع شركة "آبل"، يهدف إلى تمكين عشاق كرة القدم من متابعة المباريات التي تجرى في "البرنابيو"، ضمن عالم "الميتافيرس"، وذلك باستخدام نظارات الواقع الافتراضي.

وكان فلورنتينو بيريز، رئيس النادي، قد أشار إلى هذه الفكرة للمرة الأولى خلال الجمعية العمومية لعام 2024، قائلًا: "يمكن للمشجعين مشاهدة المباريات في منازلهم باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، ويجب أن أقول إن التجربة تبدو أفضل من مشاهدتها في الملعب"، مضيفًا أن هذا سيتيح لهم الحصول على مقعد افتراضي واشتراك خاص بريال مدريد في منازلهم.

وتطورت فكرة فلورنتينو بيريز خلال الأشهر الأخيرة، وأصبحت الآن حقيقة ملموسة، فقد أعلن النادي، عبر مجلة "GQ"، عن شراكته مع "آبل" لتطوير هذا المشروع، حيث صرّح بيريز للمجلة: "نعمل معًا في مشروع أسعى إليه منذ سنوات عديدة، وهو تمكين أي مشجع من عيش حماس البرنابيو وكأنه هنا، في الملعب نفسه".

وتابع بيريز وصف المشروع بقوله: "سيكون الأمر أشبه بفتح أبواب الملعب للعالم بأسره، بلا حدود وبجودة تقنية ستحدث نقلة نوعية في عالم الرياضة"، وفيما يتعلق بالتأثير الاقتصادي، ذكر بيريز أنه ليس الأولوية الفورية.

وأكد بيريز أن "الأساسي حقًا هو تقديم التجربة التي يرغب مليار مشجع لريال مدريد في عيشها، لم يكن ستيف جوبز مهووسًا بالنتائج المالية، بل كان مهووسًا بإنشاء منتجات استثنائية، وعندما يركز المرء على التميز، يأتي الباقي تلقائيًا".

وإذا تمكن ريال مدريد من جمع 50 مليون شخص لمشاهدة مباراة واحدة، وهو رقم ليس مستبعدًا لنادٍ يمتلك أكثر من 200 مليون مشجع حول العالم، وبتحصيل يورو واحد فقط من كل منهم، فإن ذلك سيحقق إيرادات ضخمة.

ويمتلك ريال مدريد بالفعل قسمًا متخصصًا في هيكله التنظيمي مكرسًا للتطوير التكنولوجي، وهو "إدارة التحول"، التي تتبع مباشرة للمدير العام خوسيه أنخيل سانشيز، وقد تجسد هذا التوجه الرقمي في مبادرة "RM Next" التي تركز على ستة مجالات عمل.

وتشمل هذه المجالات: الصحة الإلكترونية، الأداء، تفاعل الجماهير، إنتاج المحتوى السمعي البصري، الأمن السيبراني، والبنى التحتية التكنولوجية والاجتماعية، وللمبادرة موقعها الإلكتروني الخاص، ويشرف فلورنتينو بيريز شخصيًا على المفاوضات مع آبل لإنشاء "برنابيو اللامتناهي" الذي سينقل النادي إلى الحداثة بشكل كامل.

وتتمثل فكرة فلورنتينو وريال مدريد في تقديم مقاعد مختلفة، من الصف الأمامي إلى خلف المرمى، لمليارات الأشخاص في وقت واحد، ويتطلب ذلك بث المباراة باستخدام كاميرات 360 درجة، بالإضافة إلى الكاميرات التقليدية التي توفر الإشارة للمنصات التلفزيونية.

وبهذه الطريقة، سيتمكن المشجع الذي يستمتع بالمباراة في "الميتافيرس" من الشعور وكأنه جالس في المدرجات، بجانب مشجع حقيقي في البرنابيو، وذلك في الوقت الفعلي.

وتتيح التكنولوجيا حاليًا تجربة غامرة بالكامل للمستخدم، لكن لا يزال هناك مجال كبير للتطوير، ويجب تقييم تكاليف البث، وكذلك التكاليف التي ستترتب على المشجع، حيث يبلغ سعر نظارات الواقع الافتراضي "آبل فيجن" حوالي 3000 يورو في إسبانيا.

ولتحقيق تجربة أفضل، قد تكون هناك حاجة إلى سماعات "إيربودز" بتقنية الفضاء الجوي التي توجه الصوت وشدته بناءً على حركة الرأس واتجاه الحدث، وبهذه الطريقة لن تكون الصورة واقعية فحسب، بل أيضًا ما يُسمع في الملعب، ومع ذلك، تقدم العديد من العلامات التجارية نظارات واقع افتراضي بأسعار معقولة وبدقة 4K.

يواجه هذا المشروع الطموح تحديات، أبرزها الانتشار الواسع للهواتف الذكية التي تؤدي جميع الوظائف، مما يجعل من الصعب على الجمهور العام اقتناء أجهزة أخرى أكثر تكلفة، مثل نظارات الواقع الافتراضي، خاصة بين الشباب.

وتشير أحدث دراسات السوق إلى أن 5% فقط من مشاهدي الجيل Z وجيل الألفية يستخدمون تقنية الواقع الافتراضي، على الرغم من أن 70% منهم ينجذبون إليها، و63% مستعدون للدفع للاستمتاع بها، وقد تكون التجربة الغامرة جذابة للغاية، لكن الجمهور الأصغر سنًا اعتاد على متابعة الأحداث الرياضية مع تصفح البيانات والتفاعل مع التعليقات في الوقت نفسه، وهذا يمثل تحديًا كبيرًا.

يضاف إلى ذلك التحدي القانوني المتعلق بمدى قدرة الأندية على استغلال هذا المحتوى اقتصاديًا بشكل مستقل، وهي معركة أخرى، لكن ريال مدريد بدأ العمل بالفعل لجعل ملعبه الجديد يتمتع بقدرة لا متناهية في الميتافيرس.

تعمل الأندية الأوروبية الكبرى على دخول هذا العالم الافتراضي الموازي، ويتنافس مع ريال مدريد في هذا السباق بشكل خاص مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي، ففي فبراير 2022، كان سيتي أول نادٍ في العالم يعلن عن بناء ملعب افتراضي في الميتافيرس، وهي الفكرة التي يتبناها فلورنتينو بيريز الآن، ويقوم سيتي ببناء هذا الملعب بالتعاون مع شركة سوني اليابانية متعددة الجنسيات.

لكن مانشستر يونايتد يتقدم عليه في هذا المجال، ففي غشت 2024، أقام النادي تجربة غامرة مذهلة في مساحة مبتكرة تُعرف باسم "الدومو" في لوس أنجلوس، وقد أذهلت هذه التجربة العالم بأسره، حيث عُرضت هناك المباراة الافتتاحية للدوري الإنجليزي الممتاز بين "الشياطين الحمر" وفولهام.

وفي "الدومو"، رُتبت الطاولات وكأنها مدرجات، وكان المشاهدون محاطين بشاشة LED ضخمة عالية الدقة تبلغ مساحتها 892 مترًا مربعًا، وقد أحدث هذا الترتيب وهمًا بأنهم في قلب المباراة، مما غمر الحاضرين بالكامل في أحداث اللعبة، حيث كانوا يسمعون أيضًا جميع أصوات الملعب، وكانت شركة "كوزم" هي المسؤولة عن تنظيم هذا الحدث.

وقد وصف أحد المسؤولين الحدث قائلًا: "الدومو أكثر من مجرد مقعد في الصف الأمامي"، وفي الواقع، عاش أولئك الذين حضروا التجربة المباراة كواحد من 75 ألف متفرج تجمعوا في ملعب أولد ترافورد، ولم يكن غريبًا أن تُدفع 22 دولارًا لتذكرة في موقع مدرج عام، وأكثر من 100 دولار للمناطق الأكثر حصرية التي تحاكي الجلوس في الصف الأمامي.

ويعتمد يونايتد على شركة "كوزم"، وهي إحدى أكثر شركات الواقع الافتراضي المشترك تطورًا في العالم، بالإضافة إلى ذلك، أنشأ النادي قسم عمل داخليًا لتطوير وجوده في الميتافيرس، ويُطلق على هذا القسم اسم "ويب 3" (Web3)، ويتجاوز هدفه مجرد القدرة على إنشاء ملعب أولد ترافورد افتراضي، حيث يهدف إلى منح مشجعيه إمكانية الوصول إلى الملكية الرقمية.

ويقوم النادي بالفعل بتسويق مباريات في الميتافيرس يمكن مشاهدتها باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، وذلك عبر منصات مثل "سكاي وورلدز" (Sky Worlds) و"أوكولوس كويست" (Oculus Quest) و"هورايزون وورلدز" (Horizon Worlds).